عدم إعطاء الخطإ حجمه الحقيقي:
إما بتحقيره أو تعظيمه، فأحيانا تستصغر بعض الأخطاء فنؤجل الخوض فيها أو نعتبر أنها بسيطة ولا نحاول تعديلها أصلا فنكون بتراخينا مفسدين لا مصلحين لأن بعض الأمور لا تقبل التأخير ويفترض أن يكون موقفنا منها واضحا وصريحا، وهناك أخطاء بسيطة نضخمها ونقيم الدنيا ولا نقعدها فتكون محاولة الإصلاح عقوبة شديدة على خطإ بسيط أو تافه.
لذا وجب علينا أن نتحرى الوسطية التي هي سمة ديننا "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" البقرة 143، دون غلو في تقدير الخطأ ولا تفريط.
بل إن هناك أخطاء نكون مضطرين للسكوت عنها، إذا ما كان في إصلاحها خلق مشكل أكبر، وهو ما يعرف بفقه الأولويات. مرة على سبيل المثال، كنت أجلس مع "أعيان" قرية كنت أعمل بها، (الأعيان عندهم هم الشيخ، الفقيه، المدرس وبعض كبار الملاكين شرط أن يكونوا كبار السن) وإطا بالفقيه يبدأ الحديث حول الأمور الفقهية، فنهاهم عن صوم الوصال لأنه حرام، لكنه عرفه لأنه أن يصوم المرء كل يوم (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) طول العام، فتدخلت لأصحح المعلومة.
المشكلة هي أنني كسرت بتدخلي صورة الفقيه الذي يعتبر عندهم الشخص الذي يعلم كل شيء، فصار لا يرتاح لتواجدي، فانقسم الناس إلى مجموعتين: الأولى لم تعد تثق فيه وبدأت تبحث عن ضالتها عندي بدله، وفئة اعتبرت تدخلي قلة أدب من شاب أمام حضرة الفقيه.
فالتجأت إلى طريقة أعيد بها الشمل، وهي أنني في كل مرة أذكر معلومة، أتوجه إلى الفقيه وأسأله: هل ما قلت صحيح أم أخطأت في شيء؟ فيجيبني بأنني على صواب، وبعد تكرر العملية، اعتقد هو وغيره أنني أسأل لأنني غير متأكد من معلوماتي وأطلب من "السي الفقيه" أن يدلني، فعادت إليه هيبته, وقررت بعدها ألا أتدخل في مثل هذه الأمور.
لاحظوا معي إخوتي، لقد حاولت تصحيح خطإ، ولكنني أحدثت مشكلا كبيرا. وكان من الممكن ألا أتدخل، لأن الخطأ وإن كان ثابتا فإنه لن يضر كثيرا، لأن كلي التعريفين (الصحيح والخاطئ) لن يجدا في تلك القرية من سيحاول تنفيذهما.
معالجة الأعراض دون معالجة الأسباب:
وهذا أشبه بصب الماء على الرمل، فإذا ما ضبطنا أحدا يسرق، وعاقبناه على فعلته فإننا لا نكون بذلك قد أصلحنا الخطأ، لأننا لم نتساءل عن السبب الذي دفعه لفعل ذلك لنبني عليه تدخلنا ومحاولتنا للإصلاح، فقد يكون المصروف الذي يأخذه قليلا، أو لا يأخذه أصلا، وقد يكون شاهد "قدوته" يفعل ذلك، وقد يتفرج على فيلم عن لصوص وحاول التشبه بالبطل (وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الإنتباه إلى ما يشاهده الأطفال في وسائل الإعلام، إن شريطا واحدا قد يعلمه كيف ينفذ عملية سرقة من البداية إلى النهاية)
وقد أعجبني تنبيه جميل في الصفحة 27 من كتاب أخطاؤنا في معالجة الأخطاء، يقول فيه المؤلف: " وهذا أمر يختلف عن التماس العذر للمخطئ، فالتماس العذر للمخطئ يمكن أن يتم في الأخطاء غير المقصودة أو الأخطاء غير الأخلاقية، تلك الأخطاء يمكننا أن نلتمس فيها العذر للمخطئ لظروف من الظروف، أما الأخطاء الأخلاقية فلا يلتمس فيها العذر، وإنما نبحث عن الأسباب الكامنة وراءها محاولين علاجها، حتى يتم العلاج الجذري للمشكلة ".
كتجربة حياتية، فقد عانيت كثيرا بسبب هذه النقطة بالذات، فقد كنت كذابا (صيغة مبالغة ^_^) والسبب أن والدي كان قاسيا، فكنت أكذب تجنبا للعقوبة، لكن سرعان ما تكتشف كذبتي فتكون العقوبة على الكذب أشد. لم يتساءل عن سبب كذبي، ولكن كان يعتقد أن القسوة معي ستعالج الكذب الذي ما هو إلى عرض، وكلما اشتدت العقوبة زادت محاولاتي في التفنن في الكذب إلى أن صرت محترفا أخرج من أصعب الورطات كالشعرة من العجين. وبعد أن بدأت أستقل بنفسي وصار التعامل بيننا يسوده الحوار، لأنني لم أعد في سن الضرب وكذا لأنه لم يعد قويا بالشكل الذي كان، بدأت أتكلم صراحة حتى وإن كنت مرتكبا أكبر الزلات لأنني لم أعد أخاف من عقوبته...
الشاهد أن معالجة الأعراض في الأخطاء الأخلاقية لا يفيد، وإن كان له تأثير إيجابي فلن يكون كبيرا.
وحتى لا يفهم أحد هذه الفكرة على أنها دعوة إلى التخلي عن معالجة الأعراض، أود أن أوضح على أنها ضرورية في بعض الأحيان كالتي ارتفعت درجة حرارة صغيرها، لا بد أن تعطيه دواء يخفضها، ثم تعالج سبب ارتفاعها (التهاب...الخ) باستشارة المختص طبعا.
في إحدى مخيمات اليافعين، خلال الحفل الختامي، نشأ شجار بين أحد يافعينا مع أحد المدعويين من مخيم جمعية أخرى، فثار كل المخيم ضد المخيم الثاني. كان السبب تحرش الضيف بأحد يافعات الجمعية فتدخل اليافع الذي من جمعيتنا بطريقة خشنة أكثر من اللازم. طبعا تلزم معالجة السبب (والذي بالتأكيد يحتاج وقتا طويلا لأنه من المشاكل العظيمة التي ابتلي بها عالمن) ويلزم أيضا تصحيح خطإ الاندفاع بسبب الغيرة عند الآخر، لكن هذا يستدعي ضرورة تهديء الوضع ومعالجة العرض قبل كل شيء، فلا يمكن على الإطلاق نصح الأول بعدم مضايقة الفتيات (على الأقل بالمخيم) والثاني بالتريث في رد الفعل وهما في حالة الهيجان.
لقد اعتمدت في هذا الموضوع على كتاب أخطاؤنا في معالجة الأخطاء لمؤلفه عادل فتحي عبد الله - دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع- وكذا على خبرة متواضعة في التعامل مع الاطفال والشباب في الملتقيات والمخيمات.
إما بتحقيره أو تعظيمه، فأحيانا تستصغر بعض الأخطاء فنؤجل الخوض فيها أو نعتبر أنها بسيطة ولا نحاول تعديلها أصلا فنكون بتراخينا مفسدين لا مصلحين لأن بعض الأمور لا تقبل التأخير ويفترض أن يكون موقفنا منها واضحا وصريحا، وهناك أخطاء بسيطة نضخمها ونقيم الدنيا ولا نقعدها فتكون محاولة الإصلاح عقوبة شديدة على خطإ بسيط أو تافه.
لذا وجب علينا أن نتحرى الوسطية التي هي سمة ديننا "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" البقرة 143، دون غلو في تقدير الخطأ ولا تفريط.
بل إن هناك أخطاء نكون مضطرين للسكوت عنها، إذا ما كان في إصلاحها خلق مشكل أكبر، وهو ما يعرف بفقه الأولويات. مرة على سبيل المثال، كنت أجلس مع "أعيان" قرية كنت أعمل بها، (الأعيان عندهم هم الشيخ، الفقيه، المدرس وبعض كبار الملاكين شرط أن يكونوا كبار السن) وإطا بالفقيه يبدأ الحديث حول الأمور الفقهية، فنهاهم عن صوم الوصال لأنه حرام، لكنه عرفه لأنه أن يصوم المرء كل يوم (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) طول العام، فتدخلت لأصحح المعلومة.
المشكلة هي أنني كسرت بتدخلي صورة الفقيه الذي يعتبر عندهم الشخص الذي يعلم كل شيء، فصار لا يرتاح لتواجدي، فانقسم الناس إلى مجموعتين: الأولى لم تعد تثق فيه وبدأت تبحث عن ضالتها عندي بدله، وفئة اعتبرت تدخلي قلة أدب من شاب أمام حضرة الفقيه.
فالتجأت إلى طريقة أعيد بها الشمل، وهي أنني في كل مرة أذكر معلومة، أتوجه إلى الفقيه وأسأله: هل ما قلت صحيح أم أخطأت في شيء؟ فيجيبني بأنني على صواب، وبعد تكرر العملية، اعتقد هو وغيره أنني أسأل لأنني غير متأكد من معلوماتي وأطلب من "السي الفقيه" أن يدلني، فعادت إليه هيبته, وقررت بعدها ألا أتدخل في مثل هذه الأمور.
لاحظوا معي إخوتي، لقد حاولت تصحيح خطإ، ولكنني أحدثت مشكلا كبيرا. وكان من الممكن ألا أتدخل، لأن الخطأ وإن كان ثابتا فإنه لن يضر كثيرا، لأن كلي التعريفين (الصحيح والخاطئ) لن يجدا في تلك القرية من سيحاول تنفيذهما.
معالجة الأعراض دون معالجة الأسباب:
وهذا أشبه بصب الماء على الرمل، فإذا ما ضبطنا أحدا يسرق، وعاقبناه على فعلته فإننا لا نكون بذلك قد أصلحنا الخطأ، لأننا لم نتساءل عن السبب الذي دفعه لفعل ذلك لنبني عليه تدخلنا ومحاولتنا للإصلاح، فقد يكون المصروف الذي يأخذه قليلا، أو لا يأخذه أصلا، وقد يكون شاهد "قدوته" يفعل ذلك، وقد يتفرج على فيلم عن لصوص وحاول التشبه بالبطل (وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الإنتباه إلى ما يشاهده الأطفال في وسائل الإعلام، إن شريطا واحدا قد يعلمه كيف ينفذ عملية سرقة من البداية إلى النهاية)
وقد أعجبني تنبيه جميل في الصفحة 27 من كتاب أخطاؤنا في معالجة الأخطاء، يقول فيه المؤلف: " وهذا أمر يختلف عن التماس العذر للمخطئ، فالتماس العذر للمخطئ يمكن أن يتم في الأخطاء غير المقصودة أو الأخطاء غير الأخلاقية، تلك الأخطاء يمكننا أن نلتمس فيها العذر للمخطئ لظروف من الظروف، أما الأخطاء الأخلاقية فلا يلتمس فيها العذر، وإنما نبحث عن الأسباب الكامنة وراءها محاولين علاجها، حتى يتم العلاج الجذري للمشكلة ".
كتجربة حياتية، فقد عانيت كثيرا بسبب هذه النقطة بالذات، فقد كنت كذابا (صيغة مبالغة ^_^) والسبب أن والدي كان قاسيا، فكنت أكذب تجنبا للعقوبة، لكن سرعان ما تكتشف كذبتي فتكون العقوبة على الكذب أشد. لم يتساءل عن سبب كذبي، ولكن كان يعتقد أن القسوة معي ستعالج الكذب الذي ما هو إلى عرض، وكلما اشتدت العقوبة زادت محاولاتي في التفنن في الكذب إلى أن صرت محترفا أخرج من أصعب الورطات كالشعرة من العجين. وبعد أن بدأت أستقل بنفسي وصار التعامل بيننا يسوده الحوار، لأنني لم أعد في سن الضرب وكذا لأنه لم يعد قويا بالشكل الذي كان، بدأت أتكلم صراحة حتى وإن كنت مرتكبا أكبر الزلات لأنني لم أعد أخاف من عقوبته...
الشاهد أن معالجة الأعراض في الأخطاء الأخلاقية لا يفيد، وإن كان له تأثير إيجابي فلن يكون كبيرا.
وحتى لا يفهم أحد هذه الفكرة على أنها دعوة إلى التخلي عن معالجة الأعراض، أود أن أوضح على أنها ضرورية في بعض الأحيان كالتي ارتفعت درجة حرارة صغيرها، لا بد أن تعطيه دواء يخفضها، ثم تعالج سبب ارتفاعها (التهاب...الخ) باستشارة المختص طبعا.
في إحدى مخيمات اليافعين، خلال الحفل الختامي، نشأ شجار بين أحد يافعينا مع أحد المدعويين من مخيم جمعية أخرى، فثار كل المخيم ضد المخيم الثاني. كان السبب تحرش الضيف بأحد يافعات الجمعية فتدخل اليافع الذي من جمعيتنا بطريقة خشنة أكثر من اللازم. طبعا تلزم معالجة السبب (والذي بالتأكيد يحتاج وقتا طويلا لأنه من المشاكل العظيمة التي ابتلي بها عالمن) ويلزم أيضا تصحيح خطإ الاندفاع بسبب الغيرة عند الآخر، لكن هذا يستدعي ضرورة تهديء الوضع ومعالجة العرض قبل كل شيء، فلا يمكن على الإطلاق نصح الأول بعدم مضايقة الفتيات (على الأقل بالمخيم) والثاني بالتريث في رد الفعل وهما في حالة الهيجان.
لقد اعتمدت في هذا الموضوع على كتاب أخطاؤنا في معالجة الأخطاء لمؤلفه عادل فتحي عبد الله - دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع- وكذا على خبرة متواضعة في التعامل مع الاطفال والشباب في الملتقيات والمخيمات.
الأربعاء يناير 26, 2011 3:36 pm من طرف moulay ait el moubarik
» بلهندة والشاذلي يعززان صفوف المنتخب
الأربعاء نوفمبر 03, 2010 6:49 am من طرف Admin
» مفاوضات بين المغرب والبوليساريو الاثنين
الأربعاء نوفمبر 03, 2010 6:47 am من طرف Admin
» أقوال عن المرأة والحب
الجمعة أكتوبر 29, 2010 3:38 pm من طرف douaa
» لقاء اكادير ايام /8/ 9/ 10 سنة2010
السبت أكتوبر 23, 2010 3:49 pm من طرف الزاهدي
» تقديم بادو الزاكي المدرب الجديد للكوكب المراكشي للصحافة الإثنين القادم
الأحد أكتوبر 17, 2010 12:53 pm من طرف Admin
» عند ما جرد المجلس البلدي /باشا المدينة من وسائل العمل....
الأحد أكتوبر 17, 2010 12:42 pm من طرف Admin
» عند ما جرد المجلس البلدي /باشا المدينة من وسائل العمل....
الأحد أكتوبر 10, 2010 9:02 am من طرف الزاهدي
» عند ما جرد المجلس البلدي /باشا المدينة من وسائل العمل....
الأحد أكتوبر 10, 2010 9:01 am من طرف الزاهدي